أقدم مجلس النواب على اتخاذ خطوة أثبت فيها الاستمرار بمنهجية تكريس سلطة الأحزاب على مفاصل الدولة وتعويض ما خسروه خلال السنوات الأخيرة أيام ثورة تشرين وما بعدها من خلال التصويت على قانون انتخابات يعود بنا الى نظام سانت ليغو ” على الرغم من الرفض الشعبي وتوصيات المرجعية بعدم العودة إليه كونه نظام مفصل على من يمتلك المال والنفوذ ولا يسمح لعامة الشعب في التنافس ضمن مبدأ الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة ( على الأقل على المستوى العملي ) .. وهذه الجريمة تم ارتكابها بعد أن سكت الناس لشعورهم بخيبة الأمل التي أصابتهم والأزمات التي واجهتهم خلال العامين الماضيين ..

إن جميع القراءات والاستنتاجات تؤشر الى أن الانتخابات المحلية ماضية والمفوضية سيتم تغييرها لإعادة الوضع تماما الى ما قبل تشرين الاول 2019 وإن جميع الحركات الرافضة لها سوف لن يكون لها تأثير حقيقي باستثناء لو كانت هنالك خطوات عملية من ” التيار الصدري ” فهنا الموضوع سيكون مختلف والقراءات سيكون لها شكل آخر ..

ويتبادر لدينا السؤال الأهم … بعد التصويت على ” سانت ليغو ” .. المستقلون إلى أين ؟

المستقلون والمصطلح الذي يمكن إطلاقه على الفئة الرافضة لسلطة الأحزاب الحالية ومنهم المشاركون في ثورة تشرين والمعارضون والتيارات اليسارية والليبرالية وهؤلاء خاض بعضهم التجربة السياسية وشاركوا في الفعاليات الاجتماعية بما لهذه المشاركة من ايجابيات وعليها من سلبيات .. هؤلاء يمثلون وإن قل عددهم رقماً مهماً في المعادلة الاجتماعية أولا والسياسية ثانياً كونهم يرتكزون على أساس متماسك وهو الاستقلالية التامة وعدم الانتماء للأجندات الخارجية ولديهم مشروع وطني يرفض النظام بمجمله والذي أوقع العراق في بيئة الفساد والمحاصصة والطائفية والسلاح المنفلت والمؤسسات الأمنية خارج نطاق سلطة الدولة ومنذ 2003 ولغاية الآن .. ولكن هذا الرقم غير متضح المعالم ولا هو موحد الرؤى على الرغم من اتحاده بالأسس والايدلوجيات . والأحداث الحالية تحتم عليهم إن أرادوا أن يحافظوا على ما قدموا تضحيات من أجله أن يلتزموا أحد طريقين لا ثالث لهما :

الطريق الأول : ترك المشاركة السياسية وعدم دعم الانتخابات القادمة أو أي حركة تسمح بتقوية أحزاب السلطة والرضا بواقع الحال انطلاقاً من مباديء تشرين المعروفة لدى الجميع . ولكن في هذا الخيار تمسك بالمبادىء نعم وبنفس الوقت يمكن أن يمثل انتحار حقيقي لهذه المجموعة فالتيار الذي لم يلملم شتاته أيام زخم الثورة هل يستطيع أن يستعيد ثقة الشارع واستنهاض طاقات الشباب من أجل ثورة أخرى في ظل هذه الظروف المستقرة للأحزاب والدعم الامريكي والايراني لهم ؟؟

الطريق الثاني : ان يواجه المستقلون أحزاب السلطة بنفس سلاحهم ( انتخابات محلية ونيابية بنظام سانت ليغو النظام الأنسب للمستقلين في هذه الظروف ) على أن تتوحد كلمتهم جميعاً في قائمة واحدة وأن يكون الإيثار والتنازلات من جميع الأطراف أسياد الموقف من أجل جمع أكبر عدد ممكن من الأصوات لغرض المنافسة بقوة مع امكانيات ونفوذ أحزاب السلطة وايجاد موطئ قدم داخل المجالس لتكون منبراً مهماً لصوت تشرين الحقيقي والذي يواجه اتباع السلطة من داخل مؤسساتها.. ولكن هذا الطريق فيه من التحديات أهمها الصورة النمطية أمام الجمهور فالمستقلون يرفعون شعار معاداة السلطة فكيف يكونون جزءا منها بنظر جمهورهم وعامة الناس الرافضين للوضع القائم والمستبشرين خيراً بالوجوه الجديدة ! .

الطريقين يتضمنان تحديات صعبة ولكن الاهم ان لا تتفرق المجموعة فاليد الواحدة سواء كانت هنا او هنا ضرورية جدا على ان لا تتوزع الايدي وتضيع الجهود وتخان الدماء دماء 800 شهيد والاف الجرحى …

يجب على الجميع ان يكون لديهم الوعي والإدراك بأن هذا الطريق ليس منثورا بالورود ولا يتحمل المبتزين واصحاب المصالح الشخصية والمتلونين فالامانة التي حملها الشهداء لرفاقهم … كبيرة